مصر من أوائل البلدان التي تبنت مشروع رأس المال البشري الذي أطلقه البنك الدولي بهدف خلق طلب على الاستثمار في العنصر البشري باعتباره مفتاحا لتحقيق النمو العادل. ويهدف المشروع إلى دعم البلدان في تقوية إستراتيجياتها واستثماراتها لتعزيز رأس المال البشري من أجل تحقيق نتائج أفضل.
العنصر البشري أهم وأغلى ما يمتلكه أي بلد من ثروات، وقد أثبتت الدراسات أن المواطنين الأصحاء والمتعلمين والمهرة أكثر إنتاجية وابتكارا، وأنهم يسهمون بدرجة أكبر من غيرهم في تنمية بلدانهم وتطورها.
وقد تنبهت الحكومات بالفعل لذلك وشرعت في وضع خطط تولي أهمية قصوى للاستثمار في بناء المواطنين. ويشمل ذلك القيام باستثمارات للنهوض بصحة المواطن وسلوكياته المهارية والمعرفية وقدرته على التكيف مع المتغيرات، وهو ما يُشار إليه إجمالا بمصطلح "رأس المال البشري" في أي بلد.
تشهد مصر، التي يزيد عدد سكانها على 99 مليون نسمة، إصلاحات اجتماعية واقتصادية كبيرة منذ عام 2014. ومن بين الأهداف الرئيسية لهذه الإصلاحات تهيئة البيئة الداعمة لعمل القطاع الخاص ليصبح قاطرة للنمو وخلْق الوظائف، وقد تضمن ذلك العمل على دمج مصر في الاقتصاد العالمي. وأسفر برنامج الإصلاح الطموح عن استقرار أوضاع الاقتصاد الكلي وتعافي معدلات النمو. لكن هذه الإصلاحات تسببت أيضا في معاناة الفئات الأشدّ فقرا والأولى بالرعاية من السكان في مصر. وللحد من الآثار السلبية المصاحبة للإجراءات الإصلاحية على هذه الفئات، ضاعفت الحكومة استثماراتها في تطوير رأس المال البشرى.
مصر واحدة من أوائل البلدان التي تبنت مشروع رأس المال البشري الذي أطلقه البنك الدولي بهدف خلق طلب على الاستثمار في العنصر البشري باعتباره مفتاحا لتحقيق النمو العادل. ويهدف المشروع إلى دعم البلدان في تقوية إستراتيجياتها واستثماراتها لتعزيز رأس المال البشري من أجل تحقيق نتائج أفضل.ويشكل تحسين طريقة قياس نتائج الاستثمار في رأس المال البشري أحد المكونات الرئيسية لهذه الإستراتيجية.
يُعد مؤشر رأس المال البشري، وهو من مكونات مشروع رأس المال البشري ، أداة تتيح للبلدان قياس تأثير خدماتها الصحية والتعليمية على قدرة المواطن في بلوغ كامل إمكاناته وطاقته. وفي كل من البلدان المشاركة وعددها 157، ينظر المؤشر إلى البيانات المتعلقة بالصحة والتعليم لتحديد مقدار رأس المال البشري الذي سيتراكم لدى الأطفال المولودين اليوم حتى بلوغهم سن 18 عاما.
وتشير النتائج الخاصة بمصر إلى أن إنتاجية الطفل المولود اليوم ستبلغ 49% عندما يكبر مقارنة مع نسبة إنتاجية كاملة إذا تمتع بقدر كامل من التعليم والصحة الجيدة
وتعد الفجوة في الإنتاجية مؤشرا على مقدار الدخل الذي سيضيع على مصر نتيجة لتردي جودة الخدمات الصحية والتعليمية، وتشير في الوقت نفسه إلى الفرصة الهائلة المتاحة لتحسين هذه الخدمات الأساسية لضمان بلوغ المواطنين جميعا كامل إمكاناتهم وطاقاتهم، مما سيعزز الإنتاجية الكلية وسيسهم في النمو.
وباعتبارها أحد أوائل البلدان التي تبنت مشروع رأس المال البشري، أظهرت مصر التزامها بمعالجة هذه الفجوة في نواتج رأس المال البشري. ولتحقيق هذه الغاية، يدخل البنك الدولي في شراكة مع مصر للارتقاء بجودة الخدمات الصحية والتعليمية، وتوسيع مظلة شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين آليات الاستهداف.
وفيما يلي بعض الأمثلة على النتائج التي حققتها هذه الشراكة:
برنامج تكافل وكرامة لشبكات الأمان الاجتماعي: هو برنامج للتحويلات النقدية المشروطة (تكافل) وغير المشروطة (كرامة)، ويعد من بين أكبر استثمارات الحكومة المصرية في تنمية رأس المال البشري، ويغطي حتى اليوم مليوني أسرة من أكثر الأسر حرماناً في البلاد، أي نحو 9 ملايين مواطن (قرابة 10% من سكان مصر).
وقد أطلق البنك الدولي مشروعه الأول في عام 2015 بقيمة 400 مليون دولا.، وأدى النجاح الذي حققه إلى الموافقة على تقديم تمويل إضافي لمصر بقيمة 500 مليون دولار في يوليو 2019.
يُقدِّم برنامج "تكافل" دعما شهريا مشروطا لدخل الأسرة يهدف إلى حماية الأسر الفقيرة من الآثار السلبية قصيرة الأجل المصاحبة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. ومنذ عام 2014، اشتملت هذه الإصلاحات على رفع دعم الطاقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتعويم الجنيه المصري؛ وشكلت هذه الإجراءات جميعا تحديات اقتصادية للأسر الأكثر حرمانا والأولى بالرعاية.
وبالإضافة إلى ضمان حصول الأسر الأفقر على دعم للدخل، يشجع برنامج "تكافل" أيضا الأسر على استمرار أبنائها في التعليم وتزويدها بما تحتاجه من رعاية صحية. ويهدف البرنامج إلى بناء "رأس المال البشري" للجيل القادم ويتيح لهم مسارا للخلاص من براثن الفقر. والبرنامج "مشروط" بمعنى أن الأسر تحصل على تحويل شهري بشرط أن تلتزم بمتطلبات مُعيَّنة محدَّدة بوضوح. ومن هذه المتطلبات أن يكون كل أطفال الأسرة من سن 6 أعوام إلى 18 عاما مسجلين في المدارس بنسبة حضور لا تقل عن 80% من عدد أيام الدراسة، والقيام بأربع زيارات في السنة لعيادات صحية من جانب الأمهات والأطفال دون السادسة من العمر، والاحتفاظ بسجلات متابعة نمو الأطفال، وحضور جلسات التوعية الغذائية.
يهدف برنامج "كرامة" إلى حماية المواطنين الفقراء كبار السن فوق 65 عاما، والمواطنين المصابين بإعاقات وأمراض شديدة تمنعهم من العمل والكسب وأيضاً الأيتام. ويحصل هؤلاء المواطنون الأولى بالرعاية على معاش شهري غير مشروط.
وقد أظهرت دراسة التقييم المستقل للأثر التي أجراها المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء (IFPRI) أن تحويلات برنامج "تكافل" أدت إلى تحسّن استهلاك الأسر المستفيدة للمواد الغذائية، وزيادة الاستثمارات في الصحة والتعليم، فضلا عن شعور المرأة بالتمكين.
ويعكس التمويل الإضافي لهذه العملية التزام البنك الدولي بمواصلة تعزيز تطوير رأس المال البشري من خلال شبكات أمان اجتماعي تتسم بالكفاءة والفاعلية في استهداف الفقراء. وسيجمع التمويل الإضافي بين توسيع مظلة المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة ورفع كفاءته بتطبيق نماذج تجريبية لدمج المستفيدين في النشاط الاقتصادي، منها التشغيل بأجر، والعمل الحر، وتدريب أفراد الأسر الأفقر وربطهم بفرص اقتصادية قابلة للاستمرار. وستركز هذه الأنشطة والنماذج بوجه خاص على المرأة والشباب.
مشروع تطوير نظام الرعاية الصحية في مصر: يدعم البنك الدولي هذا المشروع بتمويل قدره 530 مليون دولار بهدف تحسين الخدمات المقدمة في 600 منشأة رعاية صحية أولية و 27 مستشفى. ويعتبر المشروع أيضا استثمارا في الجهود التي تبذلها مصر حاليا في مجالات: تنظيم الأسرة، وتوسيع نطاق برنامج الرائدات الريفيات لتحسين الحالة الصحية ومستوى التغذية، واختبار مليون وحدة من وحدات الدم سنويا للتأكد من خلوها من مختلف الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الدم.
وسيجري هذا المشروع أيضا أكبر حملة لاختبار الإصابة بفيروس سي والأمراض غير السارية وعوامل الخطر، وهي حملة "100 مليون صحة" التي تهدف إلى فحص 53 مليون مواطن ومقيم، وعلاج حوالي 2.2 مليون من المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي "سي" مجانا. ومن المتوقع زيادة الطلب على الرعاية الصحية الجيدة في ظل إقرار قانون التأمين الصحي الشامل مؤخرا. ويهدف المشروع الجديد إلى تلبية هذا الطلب. وقد أصبح برنامج مكافحة فيروس التهاب الكبد الوبائي "سي" مثالا يُحتذى للبلدان النامية في ضمان حصول الشريحة الأشدّ فقرا من السكان على علاج حديث بتكلفة معقولة يُتوقع استمرار خفضها بفضل المشروع.
مشروع دعم إصلاح التعليم في مصر: تدعم هذه العملية الإصلاحات التحويلية الجذرية لنظام التعليم المصرية من خلال تحسين ظروف التدريس والتعلّم في المدارس الحكومية. وقد استثمر البنك الدولي 500 مليون دولار في المشروع الذي يهدف إلى: (1) التوسع في إتاحة التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وتحسين جودته؛ (2) تنمية قدرات المعلمين والمديرين التربويين والموجهين؛ (3) وضْع نظام موثوق به لتقييم أداء الطلاب والامتحانات؛ و(4) استخدام التقنيات الحديثة في التدريس والتعلُّم، وتقييم الطلاب، وجمع البيانات، وكذلك التوسع في استخدام موارد التعلُّم الرقمية.
ويهدف المشروع إلى: إلحاق 500 ألف طفل جديد بالصفين الأول والثاني في رياض الأطفال، 50% منهم يعيشون في أفقر المراكز الإدارية؛ وتحسين ممارسات 35% من المعلمين؛ وزيادة نسبة المعلمات بواقع 40%؛ واستفادة مليوني طالب من التقييمات الجديدة لطلاب الصفين الرابع والتاسع، وإصلاح نظام الامتحانات والتخرج في المرحلة الثانوية.
وسيشهد المشروع أيضا تخرج أول دفعة من طلاب المرحلة الثانوية (طلاب الصف 10 في عام 2018 / 2019) في إطار نظام التقييم التراكمي في صيف عام 2021؛ وستتاح موارد التعلُّم الرقمية لجميع المواد الدراسية من السنة الأولى لرياض الأطفال إلى الصف 12 (الثالث الثانوي)، و 40% من موارد التعلُّم الرقمية في أفقر خمس محافظات.
علاوة على ذلك، فإن بناء رأس المال المادي، كالطرق والجسور، يمكنه أيضا تحقيق نتائج مباشرة، في حين تُعد منافع الاستثمار في رأس المال البشري، كما هو الحال في تعليم الأطفال، أطول أمدا. إلا أنه من الضروري أن يأتي جميع الأطفال إلى مدارسهم وهم مستعدون للتعلم، وأن يعني الوقت الذي يقضونه في المدرسة تحسن مستوى تحصيلهم الدراسي، وأن يمكنهم النمو ليعيشوا ويعملوا كبالغين وهم منتجين في صحة جيدة ولديهم المهارات المطلوبة. ويساعد ذلك على بناء رأس المال البشري وهو عنصر بالغ الأهمية للنمو المستدام طويل الأجل.
ويجب أن تشتمل الجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز النمو الاقتصادي على إستراتيجية لبناء رأس المال البشري والمادي على السواء. والبنك الدولي ملتزم بمواصلة دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، وكذلك استثماراتها في بناء الإنسان المصري حتى تتمكَّن البلاد من تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.